ابن البيطار عالم الصيدلة وشيخ العشابين في الأندلس
(593 - 646هـ/ 1196 - 1248م)
د. بركات محمد مراد
أستاذ الفلسفة الإسلامية - قسم الفلسفة والاجتماع - كلية التربية - جامعة عين شمس
(منذ عصر المأمون في القرن التاسع الميلادي، أصبحت الصيدليات تحت إشراف الدولة، والصيادلة يتعرضون لفحص مسلكي، وكان ابن البيطار عميدًا لقسم الصيدلة في القاهرة (1197 ـ 1248م) حيث كان من أشهر علماء الكيمياء والصيدلة.. وتعددت التجارب فكثرت المواد التي ابتكرها العرب، ولكن ابن البيطار هو أعظم عباقرة العرب في علم النبات).
زيغريد هونكه »شمس الله تسطع على الغرب«
هو ضياء الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد المالقي النباتي المعروف بابن البيطار، والملقب بالعشاب، عاش فيما بين عامي 593 و646 هجرية، ولد في (مالقة) المدينة الساحلية الأندلسية، وتوفي في دمشق، بعد أن طوف بالآفاق، وكان والده بيطريٌّا حاذقًا. وتتلمذ على الأستاذ الكبير ابن العباس أحمد بن محمد بن فرج النباتي المعروف بابن الرومية صاحب الشهرة العظيمة في علم النبات، والذي ألف كتاب (الرحلة) الذي بقي المرجع الفريد لعدة قرون، إلا أن ابن البيطار فاق أستاذه، بل امتاز في أبحاثه العلمية والتجريبية والتطبيقية على باقي عشابي زمانه.
وهذا يعود ـ في رأينا ـ إلى أن ابن البيطار كان كثير الرحلة إلى بلاد اليونان والروم، وجميع بلاد العالم الإسلامي، حيث يجتمع مع علماء تلك البلاد ويدارسهم في أنواع النبات، وخواصه وفوائده، غير مكتف بقراءة الكتب والمصنفات، وكان في ترحاله يدرس النبات في منابته، بل يدرس التربة والحجر الذي ينمو فيه، والأرض التي تنبته، والعوامل المختلفة المتركزة عليه، حتى إذا جمع خبرة طويلة مستندة على الملاحظة الدقيقة ألف كتابيه المشهورين (المغني في الأدوية المفردة) و(الجامع لمفردات الأدوية والأغذية).
ومن يقرأ هذين الكتابين لابن البيطار وغيرهما يجده يمتاز بعقلية علمية أصيلة تميل إلى التجربة وتؤمن بالمشاهدة والملاحظة والاستنباط، وتحري الدقة والأمانة العلمية في النقل، ومن هنا لا يكون غريبًا أن نجد اهتمام الباحثين المحدثين يزداد بإنتاجه العلمي، واعتباره ـ من بين العشابين والصيادلة العرب والمسلمين ـ أكثرهم إنتاجًا وأدقهم دراسة في فحص النباتات في مختلف البيئات، وفي مختلف البلاد، وكان لملاحظاته القيّمة أكبر الأثر في تقدم علم الصيدلة أو الفاوماكولوجي(1)، ولذلك يقول عنه معاصروه: (إنه الحكيم الأجل، العالم النباتي وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختباره). وقد استطاع أن يخرج من دراسته للنبات والأعشاب بمستحضرات ومركبات وعقاقير طبية تعد ذخيرة للصيدلة العالمية. وقد شهد له تلميذه النجيب ابن أبي أصيبعة(2) وحكى في مؤلفه عن رحلاته العلمية، حيث يخبرنا أنه كان كثير الترحال، فرحل إلى شمال أفريقيا ومراكش والجزائر وتونس ومصر لدراسة النبات، وعندما وصل إلى مصر كان على عرشها الملك الكامل الأيوبي الذي التحق بخدمته معيَّنًا رئيسًا على سائر العشابين، ولما توفي الملك الكامل، استبقاه في خدمته ابنه الملك الصالح نجم الدين الذي كان يقيم في دمشق، وبدأ ابن البيطار في دمشق يدرس النبات في الشام وآسيا الصغرى بصفته طبيبًا عشابًا(3).
وقد امتدح ابن أبي أصيبعة أستاذه ابن البيطار وقال عنه: (قرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس، فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته، وفهمه شيئًا كثيرًا جدٌّا، وكنت أحضر عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدس وجالينينوس والغافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن، فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم، ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدس من نعته وصفته وأفعاله ويذكر أيضًا ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك، ويذكر أيضًا جُملاً من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته. فكنت أراجع تلك الكتب معه، ولا أجده يقلد شيئُا مما فيها، وأعجب من ذلك أيضًا أنه كان ما يذكر دواء إلا وعيّن في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس، وفي أي عدد هو من جُملة الأودية المذكورة في تلك المقالة).
ومن مقالة ابن أبي أصيبعة، نجد أن مصادر ابن البيطار قد تنوعت ما بين مصادر داخلية تتمثل في المناخ العلمي الذي عاش فيه ورحلاته الخاصة التي قام بها في العالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى مصادر خارجية تتمثل في الترجمة والاطّلاع على كتب اليونانيين وعلوم الأوائل من غير العرب، والأمر الذي ساعد عليه ـ معرفته بعدد من اللغات كالفارسية واليونانية.
(593 - 646هـ/ 1196 - 1248م)
د. بركات محمد مراد
أستاذ الفلسفة الإسلامية - قسم الفلسفة والاجتماع - كلية التربية - جامعة عين شمس
(منذ عصر المأمون في القرن التاسع الميلادي، أصبحت الصيدليات تحت إشراف الدولة، والصيادلة يتعرضون لفحص مسلكي، وكان ابن البيطار عميدًا لقسم الصيدلة في القاهرة (1197 ـ 1248م) حيث كان من أشهر علماء الكيمياء والصيدلة.. وتعددت التجارب فكثرت المواد التي ابتكرها العرب، ولكن ابن البيطار هو أعظم عباقرة العرب في علم النبات).
زيغريد هونكه »شمس الله تسطع على الغرب«
هو ضياء الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد المالقي النباتي المعروف بابن البيطار، والملقب بالعشاب، عاش فيما بين عامي 593 و646 هجرية، ولد في (مالقة) المدينة الساحلية الأندلسية، وتوفي في دمشق، بعد أن طوف بالآفاق، وكان والده بيطريٌّا حاذقًا. وتتلمذ على الأستاذ الكبير ابن العباس أحمد بن محمد بن فرج النباتي المعروف بابن الرومية صاحب الشهرة العظيمة في علم النبات، والذي ألف كتاب (الرحلة) الذي بقي المرجع الفريد لعدة قرون، إلا أن ابن البيطار فاق أستاذه، بل امتاز في أبحاثه العلمية والتجريبية والتطبيقية على باقي عشابي زمانه.
وهذا يعود ـ في رأينا ـ إلى أن ابن البيطار كان كثير الرحلة إلى بلاد اليونان والروم، وجميع بلاد العالم الإسلامي، حيث يجتمع مع علماء تلك البلاد ويدارسهم في أنواع النبات، وخواصه وفوائده، غير مكتف بقراءة الكتب والمصنفات، وكان في ترحاله يدرس النبات في منابته، بل يدرس التربة والحجر الذي ينمو فيه، والأرض التي تنبته، والعوامل المختلفة المتركزة عليه، حتى إذا جمع خبرة طويلة مستندة على الملاحظة الدقيقة ألف كتابيه المشهورين (المغني في الأدوية المفردة) و(الجامع لمفردات الأدوية والأغذية).
ومن يقرأ هذين الكتابين لابن البيطار وغيرهما يجده يمتاز بعقلية علمية أصيلة تميل إلى التجربة وتؤمن بالمشاهدة والملاحظة والاستنباط، وتحري الدقة والأمانة العلمية في النقل، ومن هنا لا يكون غريبًا أن نجد اهتمام الباحثين المحدثين يزداد بإنتاجه العلمي، واعتباره ـ من بين العشابين والصيادلة العرب والمسلمين ـ أكثرهم إنتاجًا وأدقهم دراسة في فحص النباتات في مختلف البيئات، وفي مختلف البلاد، وكان لملاحظاته القيّمة أكبر الأثر في تقدم علم الصيدلة أو الفاوماكولوجي(1)، ولذلك يقول عنه معاصروه: (إنه الحكيم الأجل، العالم النباتي وعلامة وقته في معرفة النبات وتحقيقه واختباره). وقد استطاع أن يخرج من دراسته للنبات والأعشاب بمستحضرات ومركبات وعقاقير طبية تعد ذخيرة للصيدلة العالمية. وقد شهد له تلميذه النجيب ابن أبي أصيبعة(2) وحكى في مؤلفه عن رحلاته العلمية، حيث يخبرنا أنه كان كثير الترحال، فرحل إلى شمال أفريقيا ومراكش والجزائر وتونس ومصر لدراسة النبات، وعندما وصل إلى مصر كان على عرشها الملك الكامل الأيوبي الذي التحق بخدمته معيَّنًا رئيسًا على سائر العشابين، ولما توفي الملك الكامل، استبقاه في خدمته ابنه الملك الصالح نجم الدين الذي كان يقيم في دمشق، وبدأ ابن البيطار في دمشق يدرس النبات في الشام وآسيا الصغرى بصفته طبيبًا عشابًا(3).
وقد امتدح ابن أبي أصيبعة أستاذه ابن البيطار وقال عنه: (قرأت عليه تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس، فكنت أجد من غزارة علمه ودرايته، وفهمه شيئًا كثيرًا جدٌّا، وكنت أحضر عدة من الكتب المؤلفة في الأدوية المفردة مثل كتاب ديسقوريدس وجالينينوس والغافقي وأمثالها من الكتب الجليلة في هذا الفن، فكان يذكر أولا ما قاله ديسقوريدس في كتابه باللفظ اليوناني على ما قد صححه في بلاد الروم، ثم يذكر جمل ما قاله ديسقوريدس من نعته وصفته وأفعاله ويذكر أيضًا ما قاله جالينوس فيه من نعته ومزاجه وأفعاله وما يتعلق بذلك، ويذكر أيضًا جُملاً من أقوال المتأخرين وما اختلفوا فيه ومواضع الغلط والاشتباه الذي وقع لبعضهم في نعته. فكنت أراجع تلك الكتب معه، ولا أجده يقلد شيئُا مما فيها، وأعجب من ذلك أيضًا أنه كان ما يذكر دواء إلا وعيّن في أي مقالة هو من كتاب ديسقوريدس وجالينوس، وفي أي عدد هو من جُملة الأودية المذكورة في تلك المقالة).
ومن مقالة ابن أبي أصيبعة، نجد أن مصادر ابن البيطار قد تنوعت ما بين مصادر داخلية تتمثل في المناخ العلمي الذي عاش فيه ورحلاته الخاصة التي قام بها في العالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى مصادر خارجية تتمثل في الترجمة والاطّلاع على كتب اليونانيين وعلوم الأوائل من غير العرب، والأمر الذي ساعد عليه ـ معرفته بعدد من اللغات كالفارسية واليونانية.
الأربعاء سبتمبر 15, 2010 6:48 pm من طرف قيصر الابداعــ
» اهداء لكل رجل فى العالم
الإثنين يناير 18, 2010 4:05 am من طرف يقين العبيدي
» زوجة ذكية
الإثنين يناير 18, 2010 4:04 am من طرف يقين العبيدي
» صقــــ عليك ــــع ...للشاعر عبدالله فؤاد
الأحد يناير 17, 2010 4:07 am من طرف يقين العبيدي
» ياااااجمر.....للفنان علي العبيدي
الأحد يناير 17, 2010 3:41 am من طرف يقين العبيدي
» اشرفلك اتقول تركته..لشاعر عبدالله فؤاد
الأحد يناير 17, 2010 3:23 am من طرف يقين العبيدي
» طعام ... رسول صلى الله عليه وسلم
الجمعة يناير 15, 2010 12:59 pm من طرف megoo
» مهو أجمل شي فى الحياه,
الخميس يناير 14, 2010 4:52 pm من طرف قيصر الابداعــ
» ما قاله سلوم حداد علي المخرج نجده انزور
الخميس يناير 14, 2010 4:15 pm من طرف قيصر الابداعــ
» صمتـي عـآلم لـآ يفهمــﮧٌ إلا ( أنـآ )
الخميس يناير 14, 2010 3:04 pm من طرف قيصر الابداعــ
» هذه أغنية أنا مغنيها على طبرق الحبيبة خشو وإسمعو ؟
الأربعاء يناير 13, 2010 5:36 pm من طرف megoo
» الى من عذبنى
الأربعاء يناير 13, 2010 4:45 pm من طرف TNT
» اعقل ثلاث بنات في العالم
الثلاثاء يناير 12, 2010 8:47 am من طرف مدوخه الشباب بجمالها
» ارقة ملابس الرجال
الثلاثاء يناير 12, 2010 8:29 am من طرف مدوخه الشباب بجمالها
» مصرف ليبيا المركز يعلن عن إصدار أوراق نقدية جديدة وطرحها للتداول
الثلاثاء يناير 12, 2010 8:25 am من طرف مدوخه الشباب بجمالها
» أنغام تعترف أن إبنها لا يحب صوتها؟
الثلاثاء يناير 12, 2010 4:09 am من طرف قيصر الابداعــ
» هل تعلم متى ترى الشيطان بعينيك المجرده في الدنيا ؟؟!
الإثنين يناير 11, 2010 5:54 pm من طرف قيصر الابداعــ
» باريكيللو الأسرع في التجربة الحرة الأولى لسباق فورمولا -1 بموناكو
الإثنين يناير 11, 2010 11:12 am من طرف الــســرابـــ
» الحريه
الأحد نوفمبر 08, 2009 5:33 am من طرف قيصر الابداعــ
» الحلقة الاخيره من وتمضي الايام
السبت نوفمبر 07, 2009 5:55 am من طرف الــســرابـــ